اخر ما كتب

الاثنين، 6 يونيو 2011

أهمية فقه آل البيت وكيفية إحيائه

قال: «وقال السدي عن أبي الديلم قال: قال علي بن الحسين – يعني: زين العابدين – رضي الله عنهما لرجل من الشام: «أما قرأت في الأحزاب: «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس
أهل البيت ويطهركم تطهيرا»؟، فقال: نعم؛ ولأنتم هم؟.
 قال: نعم!.
ففيه تصريح واضح من هذين الإمامين من آل البيت النبوي الشريف بورود الآية بخصوص آل البيت، وإقرارٌ للرواية من ابن أبي حاتم وابن كثير كما لا يخفى.

 الواجب علينا نحو آل البيت الكرام
«يتعين على كل مسلم معرفةُ قدرهم الكريم، ومقابلتُهم بالإكرام والمودة والتحبيب والتعظيم، ومحبتُهم في الله المحبة الشديدة، وحفظُ حرمته صلى الله عليه وسلم فيهم المحافظة الأكيدة، والتعرفُ إليهم بأنواع المبرة والإحسان، والمبالغةُ في القيام بواجب حقوقهم حدَّ الإمكان وقضاء حوائجهم ومطالبهم، وإسعافهم فيما يَرمُونه من مآربهم، والتوسل بهم إلى الله تعالى في الشدائد، والاستشفاع بعلي جاههم عند حصول المضايق والمكايد». حسب نص مؤلف «الأربعين الكتانية في فضائل آل بيت خير البرية» الإمام محمد بن جعفر الكتاني قدس سره.
فالأصل: أننا متى ذكر آل بيت حبيبنا ونبينا صلى الله عليه وآله وسلم إلا ونطأطيء رؤوسنا، وتقشعر أبداننا، وتدمع أعيننا خشوعا وتوقيرا، ونصرا ومؤازرة، وتذكرًا لجدهم المصطفى صلى الله عليه وسلم الذين هم قطعة من لحمه، وبقية من جسده الشريف الذي يرحمنا الله به كما في قوله تعالى: «وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم». (الأنفال/ 33)، ولا شك أن من أثرات ذلك: آله صلوات الله وسلامه عليهم. ويعضده: أحاديث تأتي ضمن هذه الرسالة بتخريجاتها.
وقد قال سيد الصحابة أبو بكر الصديق رضي الله عنه فيما رواه عنه البخاري في صحيحه (7/ 77): «والذي نفسي بيده؛ لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي».
وقال رضي الله عنه فيما رواه عنه البخاري أيضا (7/ 95): «ارقبوا محمدًا في أهل بيته». يعني: احفظوه فيهم ولا تؤذوهم، ولا تسيئوا إليهم. وقيل: المعنى: «شاهدوه فيهم، لأن الجزء من الكل».
ومحبتهم باتباعهم، والاقتداء بهم، والاهتداء بهديهم، والاسترشاد برشدهم، كيف لا وقد قال الإمام محمد النفس الزكية بن عبد الله الكامل بن الحسن بن الحسن بن علي صلاة الله وسلامه عليهم: «يا أيها الناس اتبعونا، فإن الحق الذي تجدونه عندنا لا تجدونه عند غيرنا». وهو من تابعي التابعين كما لا يخفى. نقل ذلك عنه غيرما واحد كالرازي في «أخبار فخ» وغيره، ونفس المقولة قالها أخوه الإمام إدريس بن عبد الله فاتح المغرب صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله.
وقد نقل المالكية في كتبهم عن الإمام مالك - رضي الله عنه - أنه: سئل عن السدل، فقال: «رأيت من يُرضى بفعله: عبد الله بن الحسن يفعله»، فشهد فيه بالحجية!. والسدل هنا: سدل الشَعر كما نُص عليه.
وفي كتب المالكية والشيعة أن الإمام جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي سلام الله وصلواته عليه وعلى آله وآبائه كان إذا سئل في فتوى أحال إلى مالك، وقال: «علومنا عنده».
هذا؛ وما كان أبو حنيفة إلا حاملا لعلم زيد بن علي زين العابدين بن الحسين سلام الله وصلواته عليهم وعلى آبائهم وآلهم، وناصرا له ولآل بيته، حتى دُس له السم.
وقيل بأن «السيَر الكبير» لمحمد بن الحسن الشيباني إنما هي نسخة من مغازي محمد ذي النفس الزكية.
وما كان مالك إلا مريدا من مواريدهم، وحاملا لعلومهم: عبد الله الكامل، ومحمد النفس الزكية، وجعفر الصادق، بل ابتلي من أجل نصرته لهم، كما هو مفصل في محله.
وما كان الإمام الشافعي رضي الله عنه إلا مطلبيا معدودا من آل البيت، وكان داعية ليحيى بن عبد الله الكامل حتى كاد يقتله بنو العباس، وقيل: دس له السم أيضا...وهو القائل:
لو كان رفضا حب آل محمد فليشهد الثقلان أني رافضي
وكان إمام السنة، ورائد المحنة أبو عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه من المعظمين لآل البيت، المقدمين لهم، حتى مات وآخر من دخل عليه في النزع العلويون رضوان الله عليهم، حسبما هو مفصل في ترجمته عند الحنابلة. بل عند الحنابلة إجماع آل البيت حجة في الشريعة، يقوم به الحلال والحرام.
كما أن طريق التصوف بأسره إنما هو امتداد لمنهج آل البيت، ومعارفهم، وما من إمام من أئمة التصوف كمعروف الكرخي والسري السقطي فمن بعدهم، بل والحسن البصري قبلهم، إلا وانتسب إليهم إما بالتلمذة، أو بالتأثر، أو بالنسب. على أن الطريق الصوفية المتأخرة جلها منسوب إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني، أو الشيخ أحمد الرفاعي، أو الشيخ عبد السلام بن مشيش، أو الشيخ أحمد البدوي، وكلهم – رضي الله عنهم – منسوب لفاطمة الزهراء وعلي بن أبي طالب عليهما السلام.
قال سيد الطائفة الجنيد رضي الله عنه فيما رواه عنه أبو عبد الرحمن السلمي: «صاحبنا في هذا الأمر بعد النبي (ص): علي بن أبي طالب . ذلك امرؤ أعطي عــــلما لدنيا»، وقال كـذلك فيما رواه عنه أبو نصر الطوسي في «اللمع»: «رضوان الله على أمير المؤمنين علي، لولا أنه اشتغل بالحروب لأفادنا من علمنا هذا معاني كثيرة».
وقال الإمام الحرالّي: «سلسلة أهل الطريق تنتهي من كل وجه من جهة المشايخ والمريدين إلى أهل البيت...».
وقال الحافظ أبو العباس أحمد بن يوسف الفاسي في «المنح الصفية»: «قال الشيوخ رضي الله عنهم في حق علي عليه السلام: إنه أعطي العلم اللدني، ولا تصح النسبة إلى الولاية – التي هي منبع الولاية الحقيقية والمعارف الإلهية – إلا من جهته وحقيقته، فهو إمام الأولياء المحمديين كلهم، وأصلهم، ومنشأ انتسابهم إلى الحضرة المحمدية...».
وقد خرج مع آل البيت سلام الله عليهم، زمن الحسين، وزيد، والنفس الزكية، وغيرهم أئمة من الصحابة، والتابعين (كثورة القراء) التي شارك فيها سعيد بن جبير والحسن البصري وأضرابهما، وتابع التابعين، وأئمة الحديث وحفاظه، حسبما فصل ذلك جدنا الإمام محمد المنتصر بالله الكتاني رحمه الله تعالى في كتابه: «الإمام مالك».
وما كان خروجُهم معهم، واقتفاؤهم غرزهم، إلا لتسبيقهم قولهم على أقوال غيرهم، وهذا أمر بديهي لا يخفى على من له مسكة من العلم، ومعرفة بالأصول ووسائل الترجيح...
وقد أفرد العلماء – رضي الله عنهم – في القديم والحديث المصنفات في فضائل آل البيت وحقوقهم، حتى ذكر الشيخ الأكبر محمد بن عربي الطائي الحاتمي قدس سره، في «الفتوحات المكية» بأن آية: «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا»، دليل على أن ساداتنا آل البيت مغفورة ذنوبهم، وأنهم يعاملون في الدنيا بظاهر الشريعة، وفي الآخرة يطهرهم الله تعالى تطهيرا. قال قدس سره: «يُعتقَد في أهل البيت أن الله تجاوز عن سيئاتهم، لا بعمل قدموه ولا بخير عملوه، بل بسابق عناية الله لهم». وأنشد فيهم:
فَلاَ تَعْدِلْ بِأهْلِ البَيْتِ خَلْقًا
فَبغضهمُ مِنَ الإِنْسَان خُسرٌ
فَأَهْلُ البَيْتِ هُمْ أَهْلُ السِّيادَة
 حقيقِيٌّ، وحُبُّهُمُ عِبَادَة
 ناقش الأعلام تلك المقولة، فأنكرها الإمام أبو عبد الله مَحمد بن قاسم القصار وتلميذه العارف عبد الرحمن بن محمد الفاسي، وأيدها الشيخ أبو العباس أحمد زروق في «القواعد» والإمام الشعراني في غيرما موضع من كتبه، وغيرهما أمة. وألف في الرد على الإمام القصار: الإمام جبل السنة والدين أبو المكارم عبد الكبير بن محمد الكتاني في كتاب كبير سماه: «الانتصار لآل البيت الأطهار، والرد على بحث الشيخ القصار».
لكن لا شك أن آية: «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ». (الطور: 21)، بها أكبر مزية لمؤمني آل البيت، لأنهم يُلحقون بجدهم المصطفى سيد العرب والعجم والثقلين صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم.
وقد قال الحافظ ابن كثير في تفسيرها: «يُخْبِر تَعَالَى عَنْ فَضْله وَكَرَمه وَامْتِنَانه وَلُطْفه بِخَلْقِهِ وَإِحْسَانه أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا اِتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّاتهمْ فِي الْإِيمَان يُلْحِقُهُمْ بِآبَائِهِمْ فِي الْمَنْزِلَة وَإِنْ لَمْ يَبْلُغُوا عَمَلَهُمْ لِتَقَرَّ أَعْيُن الْآبَاء بِالْأَبْنَاءِ عِنْدهمْ فِي مَنَازِلهمْ فَيَجْمَع بَيْنهمْ عَلَى أَحْسَن الْوُجُوه بِأَنْ يَرْفَع النَّاقِصَ الْعَمَلِ بِكَامِلِ الْعَمَل وَلَا يَنْقُص ذَلِكَ مِنْ عَمَله وَمَنْزِلَته لِلتَّسَاوِي بَيْنه وَبَيْن ذَاكَ».
وأما مُذنبي آل البيت وعصاتهم؛ فقد اتفق العلماء على عدم جواز بغضهم ومجانبتهم، إنما نبغض أفعالهم، ونود أشخاصهم، ونرشدهم إلى طريق الحق والهداية، والابتعاد عن مدارك الشر والغواية..
قال الإمام شيخ الإسلام محمد بن عبد السلام بناني الفاسي في جواب له في الموضوع: «لا يحل لأحد انتهاك حرمتهم، ولا التعرض للطعن في نِسْبتهم، وإن جَفَوا وعصوا، وأبدوا من سوء الأخلاق ما أبدوا، فإن أهل التجريب نصوا على أن: سبب إصلاح الأحوال بموالاتهم، وسبب الخلل بإهمالهم ومعاداتهم، وإبداء شيء من إذايتهم».ـ.
ولا ندخل فيما شجر بين بعض الصحابة وآل البيت، فكلاهما آية من آيات الله تعالى، فنترضى عن جميع الصحابة، ونعتقد فضلهم وأسبقيتهم، ونكل ما كان بين معاوية وأضرابه وبين علي رضي الله عنهما إلى الله تعالى، مع اعتقادنا أن الصواب في جانب علي وولده، والخطأ في جانب معاوية وحزبه، ونقول: «رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ». (الحشر: 10). إذ ما عظمنا كلا الطرفين إلا لنسبته للنبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله، ومع ثبوت النسبة يثبت التعظيم

محمد حمزة الشريف الكتاني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التعليقات الاخيرة

اخر ما اضاف