اخر ما كتب

الأربعاء، 14 شتنبر 2011

حتى لا يظهر بن لادن آخر

عبد الباري عطوان


إذا صحت مقولة أن «العبرة في النتائج»، فإن ما يمكن قوله، في الذكرى العاشرة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، أن الولايات المتحدة الأمريكية هي الخاسر الأكبر، سواء كان تنظيم «القاعدة» هو مهندس هذه العمليات ومنفذها أو أن جهات أمريكية دخلت على الخط وحاولت توظيفها بما يخدم مصالحها مثلما تفيد بعض النظريات التآمرية.
نشرح أكثر ونقول إن هذه العمليات، أو غزوتي نيويورك وواشنطن مثلما تسميهما أدبيات «القاعدة»، أدت إلى جرّ الولايات المتحدة الأمريكية إلى حربين مدمرتين، الأولى في العراق، والثانية في أفغانستان، تسببتا في كسر هيبتها العسكرية، واستنزافها ماليا، وقتل أكثر من خمسة آلاف من جنودها، وإصابة أربعين ألفا آخرين، وزيادة الكراهية تجاهها في مختلف أنحاء العالم، والإسلامي منه على وجه الخصوص.
قد يجادل البعض بأن العالم الإسلامي دفع ثمنا باهظا أيضا من جراء هذه الهجمات، أو نتيجة لها، فقد تعرض العراق للتدمير واستشهاد ما يقرب المليون من أبنائه، وخضعت أفغانستان، البلد الإسلامي، للغزو والاحتلال. وهذا الجدل ينطوي على الكثير من الصحة، ولكن علينا أن نتذكر بأن غزو العراق واحتلاله كان ضمن المخططات الأمريكية قبل الهجمات المذكورة بسنوات، وبالتحديد عام 1998 عندما طالبت مجموعة من أنصار إسرائيل في أمريكا برئاسة البروفسور برنارد لويس وعدد من المحافظين الجدد، مثل ريتشارد بيرل وبول وولفوفيتز وجون بولتون وغيرهم، بتدمير العراق، في إعلان كبير نشروه في صحف أمريكية، باعتباره الخطر الوجودي الأكبر على إسرائيل. وكرروا الإعلان والموقف نفسه في سنوات تالية. ولم يكن من قبيل الصدفة أن هؤلاء جميعا، باستثناء لويس، كانوا من صقور الإدارة الأمريكية الذين خططوا ونفذوا الحرب على العراق، وكان لويس هو الأب الروحي لهم، وذهب إلى حد المطالبة بتفكيك العراق لأنه دولة مصطنعة.
بعد عشر سنوات منيت الولايات المتحدة بهزيمة نكراء في العراق، وسلمت البلد إلى نظام طائفي يرتبط ارتباطا وثيقا بإيران التي وصفها توني بلير، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق وحليف بوش وإسرائيل الأول، في مقالة نشرها أمس (يقصد الجمعة) بهذه المناسبة، بأنها، أي إيران، هي الخطر الأكبر على الغرب، وأنه لو كان في الحكم لشن هجوما ساحقا لتدميرها.
وإذا انتقلنا إلى أفغانستان، فإن الوضع الأمريكي أكثر سوءا، فثلثا الأراضي الأفغانية باتا تحت سيطرة طالبان التي جاءت أمريكا لتدميرها، ومن المفارقة أن الإدارة الأمريكية تتفاوض مع هذه الحركة الأصولية حاليا لإعادتها إلى سدة الحكم مكرهة، مقابل تأمين انسحاب آمن لقواتها.
قبل الاحتلال الأمريكي لأفغانستان كرد فعل انتقامي من هجمات الحادي عشر من سبتمبر، كان هناك عنوان واحد لـ«القاعدة»، أي كهوف «تورا بورا»، الآن وبفضل النفوذ الإسرائيلي ورجالاته في إدارة الرئيس بوش، أصبح التنظيم وبعد عشر سنوات من إعلان الحرب عليه، أكثر قوة، رغم اغتيال زعيمه ومؤسسه الشيخ أسامة بن لادن، في غارة نفذتها وحدة كوماندوز أمريكية في «أبوت أباد» الباكستانية في مايو الماضي.
الآن، هناك تنظيم «القاعدة» في الجزيرة العربية بزعامة ناصر الوحيشي، بات يهدد منابع النفط واحتياطاته وطرق إمداداته في منطقة الخليج والسعودية، وفرع آخر للتنظيم في الصومال، يتحكم في طرق الملاحة الدولية، وثالث في المغرب الإسلامي، على بعد مرمى حجر من الساحل الجنوبي لأوربا على المتوسط، ولا ننسى أن فرع التنظيم في العراق بات يعيد تنظيم صفوفه ويجمع قواه مجددا. أما التنظيم الأم في أفغانستان فلم يضعف مثلما يقول خبراء الإرهاب تعبيرا عن تمنياتهم، وإنما يزداد قوة بفضل الانتصارات الميدانية للحليف الطالباني.
أمريكا، وبفضل الحادي عشر من سبتمبر والنتائج الكارثية المترتبة عنه، باتت أكثر ضعفا وجبنا، والدولة الأكثر ديونا (14 تريليون دولار)، أليس لافتا للنظر أنها لم تجرؤ على التدخل عسكريا في ليبيا، وفضلت إلقاء المهمة على عاتق فرنسا وبريطانيا، خوفا ورعبا من تكرار تجربتي العراق وأفغانستان؟!
المسكوت عنه حاليا في الغرب هو تأثير حرب ليبيا المباشر على التنظيم وخلاياه في دول الساحل الإفريقي (تشاد، النيجر، مالي، الجزائر، موريتانيا وبوركينا فاسو). فاستيلاء التنظيم على أسلحة وذخائر وصواريخ من مخازن نظام القذافي المنهار بات من الحقائق الثابتة التي تبث الرعب في نفوس المسؤولين الغربيين المتخصصين في مكافحة الإرهاب، ولن نستغرب، أو نستبعد، أن يتحالف الزعيم الليبي المطارد معمر القذافي مع التنظيم أو خلاياه في المنطقة لترويع الدول الأوربية وحلف الناتو الذي لعب دورا كبيرا في إسقاط حكمه.
إن الأزمة المالية التي يعيشها العالم الغربي هي بفضل رد الفعل المبالغ فيه على أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وليس صدفة أن مقدار العجز في الاقتصاد الغربي الذي يقدر بحوالي ثلاثة تريليونات دولار هو نفسه حجم الخسائر الأمريكية والأوربية في العراق وأفغانستان.
التدخل العسكري في ليبيا من قبل حلف الناتو هو أحد عناوين الاستعمار الجديد، وبهدف الاستيلاء على ثروات ليبيا وودائعها المالية الضخمة (160 مليار دولار)، وليس بسبب الرغبة في إنقاذ الشعب الليبي من الطاغية، فقد تعاونت بريطانيا وفرنسا مع هذا الطاغية حتى أشهر من اندلاع الثورة، وكشفت الوثائق الحقيقية عن اعتقال المخابرات الأمريكية والبريطانية لمعارضين ليبيين وتسليمهم إلى القذافي لتعذيبهم، ومن بينهم الشيخ عبد الحكيم بلحاج، قائد المجلس العسكري للثوار في طرابلس وقائد الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة.
الآلة العسكرية الأمريكية والغربية الجبارة لم تتدخل إلا في دولتين فقط في العالم العربي تحت غطاء الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهما العراق وليبيا، وليس صدفة أنهما نفطيتان وسددتا وتسددان فاتورة التدخل، نفطا وودائع.
الغرب يستغل غباءنا وغباء زعمائنا من خلال مخططات مدروسة، وليبيا هي النموذج، فبعد أن ضحكوا على ملك الملوك وأقنعوه بتدمير أسلحة دماره الشامل واستغلوا ابنه ولي عهده كجسر للوصول إلى أمواله وثرواتها وإيداعها في بنوك الغرب، انقضوا عليه مثل الذئاب لتمزيقه وإلقائه إلى حيث يستحق في العراء، مطاردا، يبحث عن طوق نجاة.
«القاعدة» كتنظيم ما زال موجودا، وربما يأتي ما هو أخطر منه في المستقبل، طالما تواصلت عمليات الإذلال الأمريكي والغربي للعرب، وطالما تجسد هذا الإذلال في أبشع صوره في الانحياز الأمريكي الفاضح لإسرائيل، واحتلالها وعدوانها وتدنيسها للمقدسات العربية والإسلامية. واستمرت عمليات نهب الثروات وعوائد النفط تحت عناوين مخادعة، إنهم يدمرون البلاد من أجل إعادة إعمارها من أموالنا وودائعنا.
ليس صدفة، ونحن على أبواب الذكرى العاشرة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، أن تؤكد الإدارة الأمريكية أنها ستستخدم حق النقض «الفيتو» في مجلس الأمن ضد مشروع قرار فلسطيني بالاعتراف بدولة فلسطين على أقل من 22 في المائة من أرض فلسطين التاريخية.
طالما استمرت هذه المواقف الأمريكية والغربية المهينة والمذلة للعرب والمسلمين والمنحازة إلى إسرائيل وفجورها، سيبتعد السلام ويضمحل وسيقوى العنف والإرهاب، وقد ظهر من هو أخطر من «القاعدة» وأسامة بن لادن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التعليقات الاخيرة

اخر ما اضاف